Dec 4, 2011

دروس المقاومة

دعوات: إجتماع اليوم (ألإثنين السعة 2) في رام الله لفعاليات المسيرة العالمية للقدس ليوم الأرض 30/3 وإجتماع السبت الساعه 2 في مركذ الرواد لمناقشة حملة أهلا وسهلا في فلسطين شهر 4

بعد إجتماع مع نشطاء من التجمع التنويري الديموقراطي في الخليل ونقاشات أخرى بدا أنه هنالك حاجة لتلخيص موضوع المقاومة الشعبية لمن ليس لديه الوقت لقرائة كتابي عن الموضوع.  السؤال ما هي بعض الدروس المأخوذة عبر 130 عام من تاريخ المقاومة في فلسطين وغيرها من الدول؟

إن الإستعمار بطبيعته ينطوي على إستخدام العنف ضد السكان الأصليين وخاصة أولئك الناس الذين يتم تجريدهم من أراضيهم وديارهم.  بطبيعة الحال يقوم المستعمرين بقتل المحليين وتجريدهم من ابسط حقوقهم الحياتية, اذ ان المستعمر ينظر للمحلي نظرة استعلائية لا يرى من خلالها حقه في الحياه ولذالك يكون من السهل قتله. بالمقابل يقوم المحليين بمقاومة الاستعمار اللذي يأخذ ايضا اشكان المقاومة العنفية. الا ان كون المحلي مجرد من القوة العسكرية والسيطرة فتكون المقاومة " العسكرية" محدودة وتؤدي لعدد قليل من الضحايا نسبة للضحايا التي يوقعها المستعمر بالناس المحليين. فعلى سبيل المثال كان معدل المدنيين الذي لقوا حتفهم هو 10 فلسطيني:1 إسرائيلي. كل الحالات الإستعمارية تولد المقاومة بكافة أشكالها والتي يُعترف بها ومشروعة من قبل القانون الدولي. لنتذكر أن مفهوم القوه ليس محصورا بالقوة العسكرية (أنظر مثلا أنواع القوة والإمكانيات التي جُندت للإستعمار الأسرائيلي قبل سنة 1948 وحتى بعدها).

من المهم ايضا ان نلفت النظر ان المستعمر كما بقية الشعوب المستعمرة تنظر الى المقاومة الشعبية التي يقوم بها السكان الاصليين كعمل ارهابي او برباري وتقع المقاومة الشعبية تحت مسميات عدة عادة يأتي بها المستعمر لتصوير السكان المحليين بالقتلة والارهابيين. واكثر من ذالك تأتي هذه المسميات كوسيلة او اداه يستخدمها المستعمر لتبرير الاستعمار وعملية قتل المحليين والتخلص منهم. هكذا مثلا هي حالة الشعب الفلسطيني اللذي حين يضرب كاتيوشه او صاروخ يقع في صحراء يعتبر ارهابي بينما يقوم الاستعمار الاسرائيلي بقتل الاف من المدجنيين العزل ويبقى ذالك ضمن الاطر المشروعة اما بمفهوم الدولة المستعمرة او بمفهوم الدول الاخرى المساندة.  إن تلك المقاومة هي بشكل منحنى التوزيع المعتدل في الريضيات والذي يشبه  شكل جرس. هناك جزء صغير يُمثل التعاون (الطلب بشكل لطيف وقبول كل ما يتم إعطاءه لك) وحتى العمالة مع العدو. معظم هذه المقاومة هي شعبية في الوسط. وبعضها مسلح وبعضها عنيف جدا.

من ناحية التسمية فمن الخطأ القول أن هنالك مقاومة مسلحة وأخرى سلمية أو أنها إما عنفية أو لاعنفية.  لقد حاول البعض تصوير الفلسطينيين بأنهم إما إولئك الذين يأيدون المقاومة المسلحة أو أولئك الذين يأيدون المقاومة الشعبية. ولكن تشير إستطلاعات الرأي الى أن الغالبية من الفلسطينيين يأيدون كافة ألأشكال من المقاومة وهي ليست نوعين فقط بل مئات ألأنواع: من استعمال الأسلحة النارية إلى رمي الحجارة إلى تدمير المنشآت الإقتصادية للإحتلال إلى ألإمتناع عن دفع الضرائب إلى العصيان المدني إلى عدم شراء بضائع العدو إلى التظاهرات التي تكبد العدو خسائر (ولا نتكلم هنا عن تظاهرات شكلية) إلى أشكال الصمود والتحدي.   المقاومة بأشكالها المتعددة والتي تشمل أكثر من 250 نوع طُبقت بنجاح في عقود من النضال ضد الصهيونية. ويجب أن ندرس التاريخ المشرف والرائع لنا وأيضا تاريخ المقاومة المتنوعة في الجزائر ضد الفرنسيين و في جنوب أفريقيا ضد نظام الفتمييز العنصري.  كلاهما نجح بتنوعه مع بعض الخلافات المهمة. ما يعطينا ألأمل أننا شاهدنا تنوع أكثر بكثير للتكتيكات الفلسطينية عن الأماكن الأخرى وكنا كفلسطينيين مبدعين في إبتكار أنواع مختلفة من المقاوة الشعبية مثلا: أول إستعمال للسيارات في المظاهرات في العالم عام 1929 في القدس, أول محاولات للتأتير في الشعوب الأوروبية التي تسمح لحكوماتها باحتلالنا (في العشرينات) وأول تجنيد للأجانب لمشاركتنا في الصراع (ومنهم من استشهد).

كانت المقاومة بكافة أشكالها (والأغلبية شعبية وغير مسلحة) فعالة جداً في إنتزاع الحقوق الفلسطينية حتى ولو كان هذا بشكل جزئي في فترات من تاريخنا ترجع إلى النجاح في تغيير سلوك الحكومة العثمانية (مما أجبر الحركة الصهيونية إلى ألإنتقال إلى لندن عام 1904) ومرورا بالنجاح في تغيير بعض السياسات البريطانية زمن ألإنتداب والنجاح في عودة آلاف اللاجئيين بين 1948-1951 رغم خطر الموت وإنتزاع ألإعتراف الدولي بأن مشكلتنا ليست فقط مشكلة إنسانية للاجئين عرب بل حقوق سياسية لمواطنين أصليين.

 كما يجب ان لا ننسى ان المقاومة الشعبية ابقت القضية الفلسطينية حية طوال عشرات السنين وهذا بحد ذاته انجاز مهم اذا قارنا ذالك مع شعوب اخرى كما في الولايات المتحدة. اذ تم القضاء على 38 لغة اصلية كانت تنتمي لشعوب اصلية. اذ بقي الشعب الفلسطيني يمارس المقاومة بشتى اشكالها مما شكل هذا صوت نابض للعالم عن عدم تنازلنا عن هويتنا وحقنا.

 نُقاوم كفلسطينيون أيضا من خلال المعيش في منازلنا والذهاب إلى المدرسة والأكل والمعيشة ألخ. ذلك لأن هذا الإحتلال الإستعماري يريد من جميع الفلسطينيين الإستسلام ومغادرة بلدنا لإعطاء إسرائيل أقصى حد من المساحة الجغرافية مع إبقاء على أدنى حد لديموغرافيا السكان الأصليين. هي مقاومة عندما يستمر الرعاة الفلسطينيين في قرية عطواني قضاء الخليل في الذهاب إلى حقولهم رغم الهجمات المتكررة من قبل المستوطنون وحتى محاولة تسميم أغنامهم. هي مقاومة في تل الرميدة عندما يمشي الطلاب إلى المدرسة في حين يتم البصق عليهم ويتعرضون للركل والضرب على أيدي المستوطنين والجنود الإسرائيليين. هي المقاومة عندما يقضي الفلسطينيين ساعات عند نقاط التفتيش أو يتخطونها للوصول إلى المستشفيات أو أراضيهم الزراعية أو عملهم أو مدارسهم أو حتى  لزيارة أصدقائهم. لقد قاوم الفلسطينيون من خلال العديد من الوسائل الأخرى التي لا حصر لها والتي ذكرنا منها أمثلة في هذا الكتاب.

لقد كان هناك دائماً مقاومة شعبية في فلسطين ولكن في بعض الأحيان كانت تزداد حدة وفي بعض الوقت تضعف بسبب عوامل خارجية وداخلية. ونجد فترات المد والجزر متباعدة من 9-15 سنة كحد متوسط ,أكثر من 14 إنتفاضة عبر تاريخنا. لقد نجحت هذه الإنتفاضات في إحباط الكثير (وليس جميع) البرامج الصهيونية التي تهدف إلى تحويل فلسطين إلى دولة يهودية على حساب الشعب الأصلي. من الدراسة نجد أن بداية أللإنتفاضات جميعها تشمل تامقومات ألأربعة التالية: جمود فيما يسما الحراك السياسي أو عملية السلام, ضعف ثقة الشعب في إمكانية الحل وفي قدرات القيادات السياسية, تشرذم وضعف الفصائل (وتركيزها على خلافاتها الداخلية), وزيادة في غطرسة وتهور المحتل (بريطانيا قبل 1948 وإسرائيل بعدها)

الغالبية العظمى من المقاومة تنبع من القاعدة الشعبية. تٌأخذ الأحزاب والفصائل والقيادات السياسية عادة على حين غرة ببدء انتفاضة جديدة وإختراعات طرق جديدة وما إلى ذلك. الفصائل تأتي وتذهب ويبقى الشعب (كم منا يذكر أسماء الأحزاب والفصائل العديدة التي كانت موجودة في العشرينات والثلاثينات؟

لقد كان هناك منذ البداية صراع بين التيارات التي فضلت التعاون (وقد يقول البعض التواطؤ) مع المحتل على أمل الحصول على شيء، وأولئك الذين يفضلون المواجهة وعدم التعاون مع المحتل. وكانت التيارات في العشرينيات من القرن الماضي عشائرية (مثل عائلة النشاشيبي و الدجاني والحسيني) وأصبحت أيديولوجية وهذا تطورو ظاهرة طبيعية للمقاومة ضد الحكم الإستعماري وإنهاءه. ولكن لا زال هنالك الكثير من ألأفكار العشائرية (أي يصبح الفصيل كعشيرة لها الولاء ولا يمكن نقدها). هنالك ديناميكية مهمة وخاصة بين بعض الفصائل يجب فهمها والتعامل معها ولكن معظم ألأمور المهمة بدأت من الشعب وليس من قيادات الفصائل. ويجب أيضا أن نعي أن هنالك قيادات ,أشخاص يتحدتون عن المقاومة "السلمية" أو الشعبية وهم في الواقع يقوضوها بأفعالهم.
  
على نحو متزايد وخاصة في السنوات العشرين الماضية أشركت المقاومة الشعبية الفلسطينية الأجانب بمن فيهم الإسرائيليون وبتأثيرات إيجابية. ولكن الوضع الحالي يشمل ضعف وخلل حيث هنالك إستنفاع ومحاولات واضحة لتجيير العمل الشعبي لمصالح ضيقة. طبعا نجد في كل الفصائل وفي كل المؤسسات ألأهلية من هو وطني وصادق ومن هو إنتهازي.  وتنامت حملة المقاطعة وسحب الإستثمارات وفرض العقوبات بشكل لوغاريثمي على مدى السنوات القليلة الماضية وأعطت دلالات كبيرة بالنسبة للمستقبل.  في غضون ست سنوات حققت إنجازات تماثل ما تحقق في 30 عام في جنوب إفريقيا.
  
تتطور المجتمعات البشرية نحو إتجاه جعل من المواجهة العسكرية أقل قبولا.ًً في حين تم إنشاء الأمم المتحدة، أصبح الكثير الكثير من الناس يعترفون بأن القوة لا يمكن أن تستخدم لتحقيق الهيمنة والسيطرة. ولكن أصبحت تكلفة الحرب أيضاً غير مقبولاً في عصر وجود القنابل التي تزن 2 طناً والأسلحة النووية و البيولوجية والكيميائية. إضافة إلى ذلك، فقد أصبح التفوق العسكري أقل إحتمالاً لتحقيق النتائج المرجوة من جانب الزعماء السياسيين. ويمكن أخذ المستنقع الذي وقعت فيه الولايات المتحدة الأمريكية في العراق وأفغانستان كأمثلة أو فشل الهجوم الإسرائيلي المكثف على لبنان في صيف عام 2006 وعلى قطاع غزة في كانون الأول / ديسمبر عام 2008 و كانون الثاني / يناير عام 2009. إنه من غير المفيد وعظ الناس حول التكتيكات والاستراتيجيات، بل إنه من الأفضل بكثير القدوم والإنخراط بالعمل مع حركة المقاومة الشعبية المتزايدة من أجل المساعدة في تعجيل التغيرات التي تحدث بالفعل. لكن من الواضح أنه لا يستطيع أي جيش أو قوه عسكرية أن تهزم إرادة شعب. ولنجاح أكبر وأسرع في المقاومة يجب تحديد لمن يتم توجيه العمل له ومن سيقوم بالعمل (الإعداد الكافي الناشطين) وبجب وضع أهداف واضحة وقابلة للتحقيق تشمل كيفية زيادة تكلفة الإحتلال باستعمال كافة أنواع المقاومة الشعبية ونبذ الخوف والإستعداد للتضحية. نحن كشعب يريد الحرية نصر على المنظور المتفتح والشامل للقوة ("أعدو لهم ما إستطعتم من قوة" وما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة ليست محصوره على القوه العسكرية).

No comments:

Post a Comment